
شهد العالم في السنوات الأخيرة قفزة نوعية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت هذه التقنيات جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، من محركات البحث والمساعدات الرقمية إلى أنظمة التوصية ومعالجة البيانات الطبية.
إلا أن هذا التوسع الهائل ترافق مع نقاش متزايد حول التكلفة البيئية والطاقة المستهلكة لتشغيل وتدريب هذه النماذج الضخمة، لكن في الوقت الذي أصبح فيه استخدام روبوتات الدردشة الذكية مثل (ChatGPT) جزءاً أساسياً من يومياتنا، يظل القليل منا يدرك أن كل رسالة قصيرة أو استفسار نرسله يستهلك كميات هائلة من الطاقة، فما يبدو لبعضهم إجابة سريعة وسلسة على شاشة الهاتف أو الحاسوب، يتحول وراء الكواليس إلى عملية ضخمة تستهلك الكهرباء بمستويات تقارب استهلاك مدن بأكملها.
هذا الانفجار في الطلب على الذكاء الاصطناعي يطرح تساؤلات حيوية: كيف تعمل هذه التكنولوجيا، ولماذا تكلفنا بيئياً ثمناً باهظاً؟
روبوت الذكاء الاصطناعي يتحكم في شاشة البيانات المستقبلية المصدر: غيتي إيمجز
استهلاك هائل للطاقة
تشير الإحصاءات إلى أن مراكز البيانات التي تُستخدم لتدريب وتشغيل الذكاء الاصطناعي مسؤولة عن نحو 4.4% من استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة، فيما تمثل نحو 1.5% من استهلاك الطاقة العالمي، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحلول عام 2030 مع ازدياد الطلب على هذه التكنولوجيا.
ويرجع السبب في هذا الاستهلاك الكبير إلى حجم نماذج الذكاء الاصطناعي الضخم، خصوصاً في مرحلتي التدريب والاستنتاج، ففي التدريب، تُعطى النماذج الكبيرة مجموعات ضخمة من البيانات لتتعلم وتتعرف على الأنماط وتقدم تنبؤات دقيقة.
وكلما كانت النماذج أكبر، زادت قدرتها على التعلم، لكنها تحتاج أيضاً إلى طاقة أكبر، وتشير الدراسات إلى أن تدريب نموذج كبير مثل (GPT-4) استهلك نحو 50 غيغاواط/ ساعة، أي ما يعادل الطاقة اللازمة لتشغيل مدينة سان فرانسيسكو لمدة ثلاثة أيام، أما مرحلة الاستنتاج، وهي العملية التي ينتج فيها الروبوت إجابات من البيانات التي تعلمها، فهي أيضاً مستهلكة للطاقة بشكل كبير بسبب العدد الهائل من الطلبات اليومية.
فحتى بداية شهر أيلول 2025، تجاوز عدد طلبات المستخدمين لـ(ChatGPT) مليار طلب يومياً، ما يعني استخدام عدة خوادم لتقديم الاستجابات الفورية، ويشير الباحثون إلى صعوبة تقدير الاستهلاك الفعلي للطاقة لدى باقي المنصات مثل (Google Gemini)، إذ لا توفر الشركات الكبيرة إحصاءات مفصلة عن تأثير هذه التطبيقات على البيئة.
حلول مستدامة
لمواجهة هذه التحديات، تتجه كبرى الشركات نحو حلول مستدامة، مثل الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح، وتحسين كفاءة الخوارزميات لتقليل عدد العمليات الحسابية المطلوبة، إضافةً إلى تطوير معالجات أكثر توفيراً للطاقة، كما يجري العمل على الاستفادة من الحرارة الناتجة عن الخوادم في استخدامات أخرى، مثل تدفئة المباني.
في الختام لا بد من الإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي من دون أدنى شك يمثل قوة دافعة للتقدم، لكن آثاره البيئية تفرض علينا التفكير في كيفية تحقيق توازن بين الابتكار والتقليل من الانبعاثات الكربونية، فالمستقبل المستدام يتطلب تكنولوجيا خضراء تراعي كوكب الأرض بقدر ما تخدم الإنسان.